مفهوم الثقافة المستقلة


الثقافة المستقلة هي تلك التي تنطلق من الإرادة الحرة والقدرة على التعبير المصونة من حيث الجوهر من جميع أشكال الضغط الاقتصادي والسياسي، والقادرة على التعامل بإيجابية مع المعطيات الاجتماعية المحيطة بها.
تأتي صفة الاستقلالية من الآليات والصيرورة التي تقود إلى المنتج الثقافي أكثر مما تأتي من المنتج النهائي. وهي ثقافة تعنى بالأفكار الحرة المعاصرة الناتجة بالضرورة عن خصوصية المجتمع واحتياجاته في كل مرحلة زمنية خارج أطر النماذج الجاهزة، حيث لا يتمثل الفعل الثقافي المستقل النظم والقوالب المعدة سلفاً.
تتفاعل الثقافة المستقلة مع كافة الأطراف المؤثرة في المشهد الثقافي من مؤسسات حكومية، جهات مانحة وفاعلين ثقافيين بما يعزز استقلالية صناعة قرارها الفني والمجتمعي كجزء من حراك واسع ومتجدد.

تتعاظم فرص ظهور الثقافة المستقلة في المراحل الانتقالية: تتبدل احتياجات الناس ومعطيات حياتهم من مرحلة لأخرى. وفي حين تتسم الثقافة السائدة بأنها بطيئة الاستجابة للمتغيرات، تتميز الثقافة المستقلة بأنها وليدة المتغيرات ووثيقة العلاقة بها. لتحمل الثقافة السائدة أسباب فنائها من داخلها فهي بطيئة الاستجابة للمتغيرات وغالباً ما ترتبط بالعقائد والإيديولوجيات التي كانت يوماً أفكاراً مستقلة وطليعية. 

لتعريف مفهوم الثقافة المستقلة ينبغي التمييز بين عدة مستويات متداخلة بالضرورة، ويأتي الفصل بينها إجرائياً لسهولة البحث ولتوضيح المفهوم:

أولاً- المرسل والمتلقي والرسالة (المضمون- الشكل)

المرسل: إن صانعي الثقافة المستقلة ومرسليها هم عادة فنانون يواجهون مشاكل واضحة في تمويل أنشطتهم ومشاريعهم، لا يتمتعون بعلاقات طيبة مع المؤسسة الرسمية، ولا يمثلون مؤسسات محددة، وغالباً ما يمتلكون مشاريعهم الخاصة التي تشكل هاجسهم الشخصي. 

المتلقي: لأن مضمون الثقافة المستقلة يرتبط عضوياً بجمهورها، ولأن هذه الثقافة تترك أثراً ملموساً عليه، يغدو المتلقي مشاركاً (مباشراً أو غير مباشر) في صناعة الثقافة المستقلة، ويدرك مصلحته في نتاج الثقافة المستقلة ويستعيد ثقته بجدوى الفعل الثقافي، فينتقل تدريجياً من حيز التلقي السلبي إلى مساحة تفعيل مسؤوليته تجاه هذا النمط من الثقافة. 

الرسالة: تتسم الثقافة المستقلة على مستوى المضمون بالأفكار المعاصرة والخلق الفني. تنأى عن نماذج وقوالب النسق الثقافي السائد منذ عقود. تأخذ الثقافة المستقلة مضمونها من احتياجات الناس، وترسم شكلها/أشكالها من خلال إعادة ترتيب معطيات وعناصر حياة الناس. 

ثانياً- علاقة الثقافة المستقلة مع مفهوم الحرية

تتسم هذه العلاقة بأنها تبادلية وجدلية، إذ يتقلص هامش الثقافة المستقلة في ظل انعدام الحريات، وفي المقابل تعمل الثقافة المستقلة على توسيع هامش الحريات الفردية والعامة. الأمر الذي يجعل من الثقافة المستقلة مستهدفة من قبل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، إما عن طريق القمع المباشر في أسوأ الأحوال أو عن طريق التجاهل والتعتيم في أفضلها. أو عن طريق الاحتواء وإعادة الإنتاج.

تتعطل الثقافة المستقلة تحت الشرط الرقابي الضاغط، ولكنها تبتكر الحلول من جهة، وتعمل من جهة ثانية من خلال تراكمها وانتشارها على رفع سقف الرقابة وإزاحته إلى حدود جديدة.

ثالثاً- علاقة الثقافة المستقلة مع مفهوم الديمقراطية

يرتبط مفهوم الديمقراطية في الثقافة المستقلة بمقهوم التنوع و"الحق بالوجود"، إذ تكرس استقلالية الفنون تنوعها وتعدد الرؤى والأشكال بينما غالباً ما تكتسي الثقافة السائدة بلون واحد وتتسم بالأحادية والثبات وممانعة التغيير ورفض الآخر وكل ما هو جديد 

في مراحل التحولات الكبرى، قد تتحول الثقافة البديلة إلى ثقافة سائدة (تتمتع بالسلطة) وقد تنحرف عن هويتها الأصلية لتعمل على إقصاء الجديد، لتنشأ ثقافة مستقلة "جديدة" تدافع من جديد عن التنوع والحرية.


© الحقوق محفوظة اتجاهات- ثقافة مستقلة 2024
تم دعم تأسيس اتجاهات. ثقافة مستقلة بمنحة من برنامج عبارة - مؤسسة المورد الثقافي