حكاية اتجاهات


قد يحدث أن ينظر أحدنا اليوم إلى الوراء ويكاد لا يرى البداية. ليس لأن 10 سنوات طويلة الزمن، ولكن هول الأحداث التي شهدناها جميعاً قد تلقي بكثافتها على المسافة مع الماضي. لذلك رأينا أن نسرد حكايتنا عبر العودة الهادئة إلى الخلف وبخطوات عكسية متتابعة ومتداخلة بالضرورة.

في هذه الأيام التي نكتب فيها مسودات هذه الحكاية، نعاني في اتجاهات – ثقافة مستقلة وكغيرنا من المؤسسات والأفراد، من وطأة الظروف السياسية والصحية والاجتماعية في سوريا ولبنان وفي المنطقة العربية والعالم، ولكننا وبدافع من التفاؤل (على أي حال شكّل التفاؤل والأمل ملمحاً هاماً من ملامح حكايتنا عبر السنين الماضية) نحتفي في الوقت نفسه بـ 218 فناناً وفنانةً وباحثاً وباحثةً حصلوا على فرص دعم مختلفة المكوّنات وأكثر من 300 فنانة وفنان وخبيرة وخبير شاركوا في برامج اتجاهات بين جلسات نقاش وحلقات حوارية وفنانات وفنانين مشاركين في العروض، فضلاً عن 141 محكّمة ومحكماً في جميع لجان التحكيم والاختيار عبر جميع الدورات في مختلف البرامج. 

ورغم أن هذه الأرقام هي مصدر فخر لنا، إلا أننا ندرك جيداً أنها لا ترتقي إلى حجم الاحتياج الفعلي والمتزايد في قطاع الثقافة والفنون من جهة، كما ندرك أيضاً أن لا حكاية يُمكن أن تروى فقط عبر الأرقام خاصة عندما تكون المادة الخام للحكاية هي الفنون، تلك الممارسة التي لطالما كانت ندّاً لما يُدعى "الحقيقة".

نكتب هذه السطور بداية 2021 ونحن نستشعر بوضوح حجم الانزياح الراهن الحاصل في عملنا، إذ فرضت علينا الظروف الأخيرة أدواراً جديدة وأن نضاعف جهودنا في حيّز مناصرة الفنانين والفنانات وإغاثتهم من تبعات الاضطرابات السياسية والأوبئة والنزوح والانفجارات والمشكلات الأمنية والقانونية، ومن هنا اتسع مجال عملنا من دعم الفنانين والفنانات داخل مساحات عملهم وتقديم أعمالهم للجمهور إلى تأمين قدرة الفنانين والفنانات على الوصول أصلاً إلى تلك المساحات وامتلاكها من جديد.

عبر السنوات العشر الماضية، تمكنا في اتجاهات من تصميم وتنفيذ  تنويعات من نماذج أطر الدعم وقمنا بتنظيم ما يرافق تلك الأطر من لقاءات ومبادرات وتدريب ومنصات عرض وإصدارات وترجمة. جاء ذلك بعزيمة وجهد الفريق التنفيذي وبدعم كريم من الداعمين والمانحين وبمساندة كبيرة من شبكات لا تنتهي من الأصدقاء لا تتسع هذه السطور لذكرهم. قمنا في اتجاهات بذلك ونحن ندرك عميقاً أن  نموذج العمل المستقل في دعم الفنون والثقافة هو ما كنا نحلم أن  نحققه في سوريا قبل الثورة. وكأننا  نعمل على إنجاز حلماً قديماً وعلى عيشه تعويضياً ومن موقع آخر لنا كمؤسسة.  نحن نعي الآن أن علاقة الفنون مع الواقع في هذه المنطقة من العالم محكومة بالانزياح وتوريث الأحلام حتى إشعار آخر!

"نتطلع إلى سوريا متعددة، متنوعة، منتجة فكرياً، أصيلة فنياً وتؤمن بالثقافة كحق لكل مواطن ومواطنة سوريّة". هذه الكلمات هي بداية الحكاية وعليها اجتمعت إرادة عدد من الفاعلين والفاعلات الثقافيات والفنانين والفنانات في سوريا ربيع 2011 وهم يتوافقون على رؤية المؤسسة. انطلاقاً من هذه الرؤية نستمر في سعينا ونعي أن  عملنا في سياق المنطقة العربية هو المدخل الوحيد لتحقيقها وللاقتراب منها.


© الحقوق محفوظة اتجاهات- ثقافة مستقلة 2024
تم دعم تأسيس اتجاهات. ثقافة مستقلة بمنحة من برنامج عبارة - مؤسسة المورد الثقافي