التعليم الفني في سياق "ثقافة الترحيب" الألمانية

Dec 2018

ميريام شيكلر

عاملة ثقافية ومديرة مشروع * foundationClass في أكاديمية فايسنيسي للفن في برلين 

تنشر اتجاهات، ضمن برنامج أولويات العمل الثقافي السوري، سلسلة من مقالات الرأي بأقلام مجموعة من الخبراء والفاعلين الثقافيين السوريين وغير السوريين. يهدف هذا النشاط إلى تسليط الضوء على مجموعة من القضايا والتحديات التي تواجه العمل الثقافي السوري.

 

بعد إعلان ما يُسمّى "أزمة اللاجئين" في صيف عام 2015، وإطلاق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وعدها بأننا "نستطيع فعلها"، تمّت تعبئة عدد غير مسبوق من "شرائح لم تكن متفاعلة من المجتمع لتقديم ’مساعدة‘ مؤقتة" لطالبي اللجوء واللاجئين الجدد (فلايشمان & ستاينهلبر 2017:18). وغالبًا ما يتغلف هذا "بالعبارة الغامضة الرنانة ’ثقافة الترحيب‘" (المرجع نفسه). على عكس الناشطين الذين يعملون في مجال التكافل مع اللاجئين والمهاجرين قبل "الأزمة" وما رافقها من تركيز إعلامي، والذين شكّل التزامهم جزءًا من "سياق أوسع من انتقادات بنيوية للهياكل النيولبرالية أو الاستعمارية المحدثة أو الرأسمالية" (المرجع نفسه: 19)؛ رفض العديد من المتطوعين الجدد تشكيل "موقف سياسي واضح وعزوا عملهم إلى صفات إنسانية غامضة وعامّة" (المرجع نفسه). يمكن قول الشيء نفسه عن العديد من الفنانين والفاعلين الثقافيين الذين تطوعوا، أو وجدوا وظيفة في واحد من المشاريع أو البرامج العديدة التي تشكلت للفنانين وطلبة الفنون في المنفى، والتي مولتها مؤسسات الدولة وشركات ومؤسسات تبرّع. من الملفت للنظر أن هذه المبادرات تستهدف، عمومًا، الفنانين من الشرق الأوسط، وتنشر دعواتها وتقدم ترجماتها بالعربية والفارسية فقط، الأمر الذي يعيد إنتاج بنى هَرَمية بين من يطلبون اللجوء في ألمانيا، ويرسّخ التمييز بين اللاجئين "الجيدين" أو الذين "يستحقون" اللجوء (أي الذين يهربون من الحرب أو الاضطهاد السياسي) واللاجئين "السيئين" أو الذين "لا يستحقون" (أي من يسمون "لاجئين اقتصاديين").

نشأت مؤسسة *foundationClass، التي أطلقتها أكاديمية فايسيني للفنون في برلين عام 2016، من السياق نفسه، وتحاول تقديم الدعم الذين هُجِّروا قسريًا كي يتمكنوا من التقدّم بنجاح للدراسة في أكاديميات الفنون أو التصميم. لا تنتمي أغلبية المشاركين في *foundationClass لدول الشرق الأوسط (وخاصة سوريا وإيران)، حيث يسعى البرنامج لإشراك الراغبين في دراسة الفنون من مختلف أنحاء العالم. على عكس العديد من البرامج الأخرى، يتألف الفريق الذي يعمل في *foundationClass بشكل شبه حصري من الفنانين والباحثين الذين اختبروا هم أنفسهم تهجيرًا (قسريًا) و/أو ساهموا بفاعلية في التكافل السياسي قبل إعلان ما يسمى أزمة اللاجئين. ترفض *foundationClass أن تصف نفسها بأنها تساعد على الاندماج[1]، والإفراط في استخدام اصطلاح "اللاجئين" أو "طالبي اللجوء" لوصف المشاركين أو وصف محتوى الأعمال. للأسف، لا يمكن قول هذا عن العديد من المبادرات، فالعديد من أسماء ورشات العمل والمعارض تتضمن كلمة "لاجئ" بشكل أو بآخر، وغالبًا ما يُجمَع الفنانون المشاركون تحت مظلة واحدة هي "فنانون لاجئون". لذلك، يتزايد عدد الفنانين أو طلبة الفنون المترددين في المشاركة في المشاريع التي يشكل اللجوء أو طلب اللجوء معيارًا أساسيًا من معايير الاختيار فيها. وتتعدد الأسباب لهذا الرفض: مثل غيرها من التسميات التي تُطلَق على الجماعات المهمّشة، "يطمس اصطلاح ’لاجئ‘ حدود الاختلاف بين الأفراد ضمن المجموعة التي يصفها، وفي الوقت نفسه يرسخ الحد الفاصل الذي يؤكد الاختلاف عن المجتمع الجديد، كما يرسخ المفاهيم التي تشكل هذا الحد" (روتاس 2004:52). يتضمن هذا التصنيف أيضًا التوقع بأن "الفنان اللاجئ" يجب أن يعالج حصرًا قضايا النزوح والمنفى والحرب، "لأنه إذا عالج قضية أخرى، مثل الأزهار مثلًا (إلا إذا كانت أزهار مقبرة أو أزهار غرائبية أو ’الأزهار المفضلة لدى شقيقتي الصغرى الراحلة‘)، فهو بذلك يتحول ببساطة إلى ’فنان‘، وهذا الوصف حكر للعاملين في الفنون من الثقافات المُضيفة المهيمنة فحسب" (المرجع نفسه: 53). كثيرًا ما يشتكي طلبة *foundationClass، الذين شاركوا في عدد من البرامج الأخرى سابقًا، من مخاطبتهم باعتبارهم "فنانين لاجئين"، كما يشتكون من هذا التوقع نفسه. تحدّث أحد الطلبة عن مشاركته في ورشة سينمائية، وقال إنه عندما حاول العمل على موضوع آخر، تمكّن المُيسِّرون من تغيير الفكرة بحيث تتناول تجربته العنيفة في سوريا. بالنسبة للثقافة المهيمنة، فإن تجربة الطالب في النزوح والحرب والمنفى "تتحول إلى حقيقتها، تتحول إلى نقطة الجذب، نقطة الجذب الوحيدة" (المرجع نفسه، التشديد في الأصل).

لا يقتصر غياب الوعي بالبُنى الهَرَمية للسلطة وآليات الإقصاء البنيوية على برامج التدريب الفني البديلة الموجهة للاجئين وطالبي اللجوء، بل هو للأسف شائع جدًا في أكاديميات الفنون (لتحليل مفصل، انظر مؤسسة التعليم الفني، زوريخر هوشول دير كونسته 2016). خلال المقابلات التي تشكل جزءًا من امتحانات القبول في أكاديميات الفنون الألمانية، مثلًا، لم يُسأل بعض الطلبة الآتون من *foundationClass حول ممارساتهم واهتماماتهم الفنية، بل عن كيفية وصولهم إلى ألمانيا. بالإضافة إلى تعريفهم بوضعهم القانوني، أو بتجربة النزوح والمنفى، يصرّ المُدرِّسون في الأكاديميات الفنية على الفهم المركزي-الأوروبي للجماليات وتاريخ الفنون. بناءً على ذلك، تتوقع هذه الأكاديميات أن الطالب المتقدّم للدراسة المنتقل من جامعة دمشق، مثلًا، لن يعرف شيئًا عن الفن المعاصر، وتتوقع منه أن يقدم فنًا "تقليديًا"، إن لم يكن تراثيًا.

ختامًا، يمكننا القول إن مدرِّسي الفنون عمومًا لا يمتلكون وعيًا بالدلالات السياسية لعملهم، ولا يقدِّرون أن المعرفة "التي تنبع من تجربة التهميش"، والتي تستدعي "مشاركة من تأثروا بها" لا كمشاركين فحسب بل كمبادرين ومروجين للمشاريع القائمة على فهم أساسي وعميق للبنى السلطوية الاجتماعية المسؤولة عن هذا التهميش" (ميكوسه-إيكنز & شريفي 2016:79).

 

المراجع:

Czollek, Max (2018) Desintegriert euch! München: Carl Hanser Verlag

Fleischmann, Larissa and Elias Steinhilper (2017) “The Myth of Apolitical Volunteering for Refugees: German Welcome Culture and a New Dispositif of Helping“ in Social Inclusion 5(3), pp.17-27

Institute for Art Education, Zürcher Hochschule der Künste (2016): Art.School.Differences.
Reseraching Inequalities and Normativities in the Field of Higher Art Education. Schlussbericht. https://blog.zhdk.ch/artschooldifferences/files/2016/10/ASD_Schlussbericht_final_web_verlinkt.pdf

Micossé-Aikins, Sandrine and Bahareh Sharifi (2016) „The Colonialism of the Welcome Culture - Forced Migration, Migration and the white Marks of Cultural Education.“ in: Ziese, Maren & Gritschke, Caroline (Hg.), Geflüchtete und Kulturelle Bildung – Formate und Konzepte für ein neues Praxisfeld, S. 75–86.

Rotas, Alex (2004) “Is 'Refugee Art' Possible?” in Third Text, 18(1), pp. 51-60



[1]تُبنى فكرة "الاندماج" عادة على ثنائية "نحن" و"هم"، وعلى افتراض وجود ثقافة ألمانية أو قيم ألمانية في جوهرها، إلخ. كما أن عملية الاندماج هي عملية باتجاه واحد، وتتوقع منهم "هم" الاندماج في في ثقافتنا "نحن" (انظر مثلًا تشوليك 2018). ترفض *foundationClass لذلك استخدام هذا الاصطلاح.


© الحقوق محفوظة اتجاهات- ثقافة مستقلة 2024
تم دعم تأسيس اتجاهات. ثقافة مستقلة بمنحة من برنامج عبارة - مؤسسة المورد الثقافي